إن الشهادة في الإسلام تعتبر من البينات[1] التي تطلب في الإثبات في القضاء الإسلامي لثبات حق، ولأهميتها فقد ذكرت في القرآن الكريم في عدة مواضع، والأصل في الشهادة، هو قوله -عز وجل-: (۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا ١٣٥ )[2]  فالشهادة هنا يراد بها أن تكن لله – سبحانه- كلمة حق يقولها الشاهد ولو على نفسه، أو والديه، أو الزوج يشهد على زوجه. والغاية من ذلك تحقيق العدل. وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة (فلم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده،… ولا الرجل لامرأته، ثم دَخِلَ الناس بعد ذلك فظهرت منهم أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتهم إذا كانت من أقربائهم، وصار ذلك من الولد والوالد، ….. والزوج والمرأة، لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان)[3]. والتهمة في النص السابق يراد بها تهمة حكمية، وليست تهمة حقيقية[4].

وقد تجتمع أكثر من تهمة حكمية في الشاهد فشهادة الوالد لولده، أو شهادة الولد لوالده، أو شهادة الزوج لزوجه ترد لكونها تحمل تهمة حكمية واحدة، أو أكثر من تهمة كالمحبة والإيثار، أو اتصال المنافع بينهما، أو المحاباة.

ولا ترد شهادة الوالد لولده أو شهادة الولد لوالده بتهمة حكمية إذا كان ولد بالرضاعة، فالمعتبر هنا في رد الشهادة بينهما لتهمة حكمية أن العلاقة بينهما صعوداً، أو نزولاً نسب بالدم لا بالرضاعة، حيث أنه لا نسب بينهما يوجب المحبة، والايثار، والنفقة.[5]

ولكن تقبل شهادة الوالد لولده، وشهادة الولد لوالده، وشهادة أحد الزوجين للآخر كالشهادة في عقد النكاح، أو الطلاق ونحوهما من الحالات التي لا يرجى في حال الشهادة كسب نفع، أو دفع ضرر، وبالتالي تقبل الشهادة في مثل هذه الحالتان لانتفاء التهمة الحكمية.[6]

إذًا فالقاعدة في شهادة الإنسان لنفسه، أو شهادته لوالده، أو شهادته لولده، أو شهادته لزوجه أنه إذا كانت هذه الشهادة تجلب نفعًا أو تدفع ضرًا فهي ترد، ولا تقبل لوجود التهمة الحكمية. أما إذا لم يرجى من هذه الشهادة لا جلب نفع، ولا دفع ضر فتقبل لانتفاء التهمة الحكمية.[7]

ونحن اليوم في وطننا الغالي- المملكة العربية السعودية- الذي تستمد أحكامه وأنظمته القضائية من الشريعة الإسلامية. نجد أن نظام الإثبات جاء في مادته (71) الفقرة (2) ما نصه: (لا تقبل شهادة الأصل للفرع، وشهادة الفرع للأصل، وشهادة أحد الزوجين للأخر ولو بعد افتراقهما).[8]  فهذا النص يثبت في حال وجود التهمة الحكمية ترد الشهادة سواء كانت شهادة الوالد لولده، أو كانت شهادة الولد لوالده، أو كانت شهادة أحد الزوجين للأخر حتى بعد افتراقهما.

وبما أن الشهادة هي أحد البينات لإثبات الحق في القضاء السعودي، وايضاحه، فنص الفقرة (2) من المادة (71) من نظام الاثبات يهدف لضمان العدالة القضائية في المحاكم السعودية، ونشر العدالة في المجتمع السعودي.

             بقلم: د. تغريد المقحم


[1] البينات في القضاء الإسلامي: الشهادة، والإقرار، والكتابة. والبينة أقوى من القرينة في اثبات الحق للمدعي.

[2] سورة النساء، آية 135.

[3] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، ت: عبد الله التركي، مؤسسة هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط. 1، 1422هـ. /2001م. ج.7، ص.587.

[4] الفرق بينهما: أن التهمة الحكمية: ترد بها شهادة الشاهد، لكن لا تقدح في عدالته، أما التهمة الحقيقية: ترد شهادة الشاهد لانتفاء عدالته، وفسقه.

[5] ينظر: الانصاف، للمرداوي، ت: محمد الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط.1، 1418هـ. /1997م. ج12، ص57. والحاوي، للماوردي، ت: علي معوض وعادل أحمد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419هـ. /1999م. ج.17، ص 163.

[6] ينظر: الانصاف، المرداوي، ج.12، ص. 58-59.

[7] ينظر: بداية المجتهد، ابن رشد، دار المعرفة، بيروت، ط6، 1402هـ. /1982م. ج.2، ص.463. والمغني، ابن قدامه، ت: عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار عالم الكتب، الرياض، ط.3، 1417هـ. /1997م.ج.14، ص181-184. ومواهب الجليل، الحطاب، ضبط وتخريج: زكريا عميرات، دار عالم الكتب، ب.ط.، ب.ت.، ج.8، ص167-168.وبدائع الصناائع، الكاساني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط.2، 1406هـ. /1986م.، ج.6، ص.272.

[8] نظام الاثبات، موقع هيئة الخبراء بمجلس الوزراء على الرابط: https://laws.boe.gov.sa/BoeLaws/Laws/LawDetails/2716057c-c097-4bad-8e1e-ae1400c678d5/1